التعاطف بين المسلمين في الإسلام

Devin Halim Wijayaساتوساتو July الدعاءصفرالدعاءليما

صفر ساتو قراءة المحاضر

التعاطف — القدرة على الشعور بمشاعر الآخرين وفهم تجاربهم العاطفية — هو قيمة أساسية في الإسلام. فالإسلام لا يراه مجرد فضيلة أخلاقية، بل واجب روحي واجتماعي. وفي عالم يركز فيه الكثيرون على الذات والمصلحة الفردية، يدعونا الإسلام إلى تنمية الوعي العاطفي والرعاية للآخرين، لا سيما للمسلمين. هذا الموقف يدعم روابط الأمة ويجسد صفات النبي ﷺ، الذي عرف بلطفه واهتمامه العميق بمعاناة الناس.

جذور التعاطف في القرآن والنبوة

التعاطف في الإسلام ليس تطورًا حديثًا، بل هو مستمد من القرآن والسنة. إذ يدعو القرآن الناس إلى الاعتراف بإنسانية بعضهم البعض، ويشير إلى قول الله تعالى:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا…» (سورة الحجرات ٤٩:١٣)

هذا الدعوة إلى “التعارف” لا تعني مجرد التعامل السطحي أو التسامح، بل تشير إلى ربط عاطفي وإنساني عميق.

وكان النبي ﷺ قدوة في التعاطف: فقد كان رحيماً بالأطفال، صبوراً مع المخطئين، ومهتماً بالمحتاجين, و رحيما للمدينين. ومن الأمثلة على ذلك أنه قلب الصلاة في رمضان عندما سمع بكاء إبنة أحد الصحابة، مراعاةً لمشاعر الأم. كما استخدم التشبيه بجسد واحد ليعبر عن وحدة الأمة: إذا اشتكى منه عضو سهر معه الجسد كله، وهو تشبيه يوضح كيف أن مشاعر المسلم تجاه إخوانه تؤثر على كيان الأمة بأكملها.

اقرأ: تأجيل سداد الديون، صدقة خفية

التعاطف المعيشي: شعور بالمسؤولية والدعم العملي

لا يقتصر التعاطف في الإسلام على الأفكار والمشاعر، بل يتجسد في أفعال يومية. فواجب الزكاة يمثل مثالاً رئيسياً، إذ لا يقتصر على تطبيق قانون مالي فقط، بل يعكس ارتباطًا حقيقيًا بمعاناة الفقراء ومساعدتهم فعليًا.

كما أن زيارة المريض تُعَدّ من الأعمال الكبرى؛ فهي تعبّر عن تقاسم الشعور، وتعتبر عملًا روحياً يمنح الزائر رحمة الله. فهذه الزيارات ليست مجاملة اجتماعية فحسب، بل وسيلة لتحقيق التضامن العاطفي والدعم النفسي.

أما جيرة الجيران، فقد أولى الإسلام عناية خاصة بها. فكان المسلم المؤمن يُطَمْئِن جاره ويشعره بالاهتمام والأمان. ومساعدة الجار بالقليل أو بالاستماع له، ميزة تعزز التواصل الاجتماعي وتقوي روابط الثقة والاحترام بين الناس.

اقرأ: روح التكاتف في التمويل الجماعي الإسلامي

كيف نُنمّي التعاطف؟

قد يولد التعاطف فطريًا عند بعض الناس، لكنه مهارة قابلة للتطوير. تبدأ الرحلة بالوعي اليقظ: مراقبة من حولك بتعاطف، والانتباه لتغيرات في حالتهم النفسية والعاطفية، مثل الحزن أو التعب أو الانعزال.

ثم تأتي مرحلة الفهم العقلي، وهي محاولة لتخيّل ما يشعر به الآخر لو كان مكانه، دون إصدار أحكام. هذه الخطوة تعزز التعاطف العقلاني، ما يعين على التواصل بصدق.

الخطوة التالية هي الانخراط العاطفي: الإحساس بسعادة الآخرين أو أحزانهم. فهذا لا يعني مجرد تمييز الشعور، بل الشعور به فعليًا، ثم توجيه الانفعالات بطريقة إيجابية.

ويكتمل التعاطف بالفعل العملي: كلمة طيبة، مبلغ مالي، وقت مأجور، زيارة ودعم، أو مجرد وجود يدعم الآخر. التحرك هو ما يحوّل التعاطف من فكرة إلى فعل ملموس. وقد كان النبي ﷺ يجسد هذا بكل وضوح: كان يرى ويشعر، ثم يتدخل ليخفف عن الناس آلامهم.

اقرأ: الصبر و الشكر:العاملان المتعلقان في الإسلام

أهمية التعاطف في العالم المعاصر

في زمن يسود فيه الفردانية وتضعف فيه الروابط الاجتماعية، يصبح التعاطف ضرورة للحفاظ على تماسك المجتمعات. في داخل الأمة الإسلامية، يعزز التعاطف الأخوة، ويقلل النزاعات، ويشجع على التعاون والتكافل.

كما يتجاوز التعاطف حدود الدين والثقافة؛ فعندما يشعر المسلم بمعاناة غير المسلمين، يعبر عن الجوهر الإنساني المشترك، ويعزز الحوار والسلام. هذه الروح الإنسانية تعزز صورة الإسلام كدين للرحمة والتفاهم.

على المستوى الشخصي، يُنمّي التعاطف القيم مثل التواضع والصبر والذكاء الاجتماعي. وهذه الصفات لا تُعتبر مجرد مزايا اجتماعية، بل أدوات تقرب الإنسان من الله. فالفعل التعاطفي يُعد عملاً من أعمال العبادة، لأنه يعكس أسماء الله الحسنى: الرحيم واللطيف.

اقرأ: جمال الصبر في الاستثمار الحلال

خاتمة

في الإسلام، التعاطف ليس مجرد مفهوم نظري أو فضيلة أخلاقية فحسب، بل روح تؤسس للسلوك وتبني المجتمعات. إنه يعني أن نشعر مع الآخرين، ونفكر بمنظورهم، ونتصرف بمساعدة حقيقية. من خلال إعادة إحياء هذه السنّة المحمّدية، يعزز المسلمون تلاحمهم، وينمون روح المبادرة الخيرية، ويجسدون قيم رحمة الله. فلنحيا التعاطف يوميًا، فهو مسؤولية عظيمة، ووسيلة فعالة لترك أثر عميق في نفوس الآخرين.