BlogIslamic Finance

النظر الإسلامي من الركود الاقتصادي

الركود الاقتصادي لا يُعدّ فقط ظاهرة مالية أو انكماشًا في الأسواق؛ بل هو حدث يحمل في طياته رسائل ربانية للبشرية جمعاء، خاصة للأمة الإسلامية. إنه تذكير صارخ بأن الاعتماد على النماذج الاقتصادية البشرية، التي لا تستند إلى القيم والعدالة، يؤدي حتمًا إلى الفوضى والظلم وعدم الاستقرار. فالمسلم حين يواجه أزمات اقتصادية، لا ينظر إليها كما ينظر إليها الاقتصاديون الماديون، بل يدرك أنها ابتلاء من الله يختبر به صدق الإيمان وصحة الاتجاه.

قال الله تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” (الأنبياء: 35)، أي أن المحن والمنح كلها أدوات ربانية لتربية النفس، وتنبيهها على مواضع الخطأ والخلل. ومن هنا، فإن أول خطوة لمواجهة الركود هي أن نعيد ضبط بوصلتنا نحو الله، ونتحقق من التزامنا بمنهجه في كل مفاصل حياتنا، لا سيما في الجانب الاقتصادي.

النظام الاقتصادي الإسلامي: العدالة بدلًا من الاستغلال

يعتمد النظام الرأسمالي المعاصر على تراكم الثروات في أيدي قلة، من خلال أدوات مثل الربا، المضاربة، وترك السوق يعمل دون ضوابط أخلاقية أو روحية. وهذا ما يؤدي إلى أزمات متكررة، أبرزها الركود. أما الإسلام، فقد وضع أسسًا قوية لنظام اقتصادي يقوم على منع الظلم، وتشجيع التوزيع العادل للثروة، والربط الوثيق بين الإنتاج والعدالة.

أحد المبادئ الأساسية في هذا النظام هو تحريم الربا، لما له من آثار مدمرة على المجتمعات والاقتصادات. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” (البقرة: 278). الربا لا ينتج قيمة حقيقية، بل يُراكم الديون ويُثقل الفقراء ويُغني الأغنياء أكثر. بالمقابل، يُشجّع الإسلام على التمويل التشاركي مثل المضاربة والمشاركة، حيث يتم تقاسم الأرباح والخسائر بالعدل، فيتحمّل الجميع المسؤولية.

كذلك الزكاة، وهي ليست مجرد عبادة فردية، بل نظام اقتصادي يُعيد توزيع الثروة بشكل دوري، ويمنع تراكمها في فئة دون أخرى. ومع وجود الأوقاف والمؤسسات الخيرية، يتحول المال من وسيلة تراكم إلى أداة تنمية مجتمعية تخدم التعليم، والصحة، والبحث، والتمكين الاقتصادي.

اقرأ: الاستثمار المالي وفق الشريعة: ربح وخسارة منسية

التعامل النفسي والمالي مع الأزمات

حين تضيق الأحوال، وتشتد الحاجة، يظهر معدن المؤمن. فالمسلم يُعلَّم منذ صغره أن الرزق بيد الله، وأن الأزمات مهما عظمت فإن معها يُسرًا، كما وعد الله في قوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” (الشرح: 6). هذه العقيدة تُغرس في النفس قوةً نفسية وثباتًا روحيًا يمنع الانهيار أو السقوط في الفوضى والخوف.

من الناحية العملية، يجب على المسلم أن يُراجع نفقاته، ويضبط استهلاكه، ويتجنب المبالغة في الكماليات. فالله تعالى قال: وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ” (الإسراء: 26–27). التقشف هنا ليس بخلًا، بل حكمة في الإدارة وتقدير للظروف.

وفي الوقت نفسه، لا يتوقف دور المسلم عند حدود نفسه، بل يمتد إلى مجتمعه. ففي زمن الأزمات، تزداد الحاجة إلى التكافل. والقرآن يدعونا إلى الإنفاق في السراء والضراء، ويُثني على الذين يواسون المحتاجين ويقفون معهم ولو بالقليل. هكذا يُبنى المجتمع القوي: بالرحمة، والتضامن، والمسؤولية الجماعية.

اقرأ: طرق لكسب المال محرمة في الإسلام

استعادة النموذج الاقتصادي الرباني

ما يمر به العالم من أزمات اقتصادية متكررة هو دليل على فشل النماذج الوضعية التي تفصل الاقتصاد عن الأخلاق والدين. والرأسمالية، التي تُمجّد الحرية المالية دون حدود، أنتجت تفاوتًا مهولًا، وفقاعات مالية، ونُظُمًا مصرفية لا تهتم إلا بالأرباح، ولو على حساب استقرار الشعوب.

في المقابل، قدّم الإسلام نموذجًا اقتصاديًا يُدمج بين الربح والمبدأ، وبين الكفاءة والرحمة. والنموذج ليس نظريًا، بل طبقه المسلمون في عصور الازدهار الحضاري، حيث لم تكن هناك مؤسسات ربوية، وكانت الدولة تضمن الحاجات الأساسية، وتُقيم العدل الاقتصادي والاجتماعي.

قال تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ” (النساء: 58). وإذا كانت الأمة تريد حقًا الخروج من دوامة الأزمات، فعليها أن تعود إلى هذا النظام الرباني، لا أن تُطَبّق بعض مظاهره وتترك جوهره.

الركود إذًا ليس نهاية الطريق، بل فرصة لإعادة التقييم، واستعادة المبادئ، والعودة إلى الله؛ لا كأفراد فقط، بل كأمة.

اقرأ: الاستثمار الحلال: ربح مع قواعد وآداب شرعية

النظر الإسلامي من الركود الاقتصادي
النظر الإسلامي من الركود الاقتصادي

لنستثمر في الشريعة الإسلامية على موقع zeedsharia.com


المراجع

Join Zeed Sharia

Devin Halim Wijaya

طالب ماجستير في المعهد الإسلامي للمصرفية والمالية الإسلامية | حائز على منحة نور-أوماتيك

مقالات ذات صلة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تحقق أيضاً
Close
Back to top button