معنى التسامح بين المستثمر والشريك التجاري

في عالم الأعمال الحديث والمعقد، كثيرًا ما تشهد العلاقة بين المستثمرين والشركاء التشغيليين توترات ناجمة عن تضارب المصالح واختلاف التوقعات وأساليب الإدارة. في هذا السياق، يقدّم الإسلام قيمة التسامح (التسامُح) كقيمة أخلاقية نبيلة، قائمة على الرحمة والانفتاح واحترام الآخر، لتكون دليلًا أخلاقيًا في التعاملات.

التسامح ليس ضعفًا أو تنازلًا غير محسوب، بل هو موقف أخلاقي فعّال لبناء علاقات صحية وعادلة في بيئة العمل. فالأخلاق الإسلامية لا تفصل بين الإيمان والمعاملات، بل تجعل التعامل التجاري جزءًا لا يتجزأ من الالتزام الديني. كما أن التسامح في بيئة المال والأعمال يحد من النزاعات ويخلق مناخًا من الثقة المتبادلة، ما يفتح المجال لنمو المشاريع وتحقيق أهدافها بروح من التكامل لا التنافر. لذا فإن غرس هذا المفهوم في ثقافة الشركة يُعد أحد مفاتيح النجاح والاستقرار طويل الأمد، خاصة في بيئة اقتصادية تنافسية تتطلب التفاهم والشراكة الفعلية لا الصراع والمغالبة.

مفهوم التسامح في الإسلام

التسامح في الإسلام هو تقبّل الآخر، واحترام الاختلاف، والتيسير في التعامل، وعدم التشدد أو الفظاظة. وأصل الكلمة في اللغة العربية يدل على السهولة والسخاء. ويشمل التسامح مجالات متعددة من الحياة، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية والتجارية.

قال النبي محمد ﷺ

“رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى.” (رواه البخاري رقم 2076)

توضح هذه الأحاديث أن التيسير والرفق في المعاملات التجارية صفات يحبها الله، ويثني عليها. وهي ليست فقط سلوكًا تجاريًا، بل عبادة وسلوك إيماني. التسامح يعكس حسن الخلق، ويؤسس لثقافة الثقة بين المتعاملين، ويُشجّع على المرونة في العقود، مما يرفع من مستوى الرضا والاستقرار داخل العلاقات المهنية.

اقرأ: المستثمرون المسلمون الأذكياء، بدء الأعمال التجارية بالمعرفة

التسامح في العلاقة بين المستثمر والشريك

العلاقة بين المستثمر والشريك التنفيذي هي شراكة تكاملية، يجب أن تقوم على العدالة والثقة وتوزيع المسؤوليات. إلا أن الواقع العملي قد يشهد توترات بسبب تفوق رأس المال من جهة، وثقل المسؤوليات التشغيلية من جهة أخرى.

هنا يظهر دور التسامح كقيمة أخلاقية توازن بين الطرفين. فالمستثمر ينبغي أن يكون رحيمًا، متفهمًا للتحديات التشغيلية، ويمنح الشريك الثقة والمرونة. أما الشريك، فيلتزم بالشفافية والأمانة في العمل والتقارير و إدارة المخاطر. بهذه الروح، تتحول الخلافات إلى فرص للحوار البناء، ويصبح التركيز على المصلحة المشتركة لا على التفوق الفردي.

اقرأ: إدارة المخاطر في الاستثمار:أهميتها و كيفيتها

تطبيق التسامح في المشاركة التجارية

يتجلى التسامح في الحياة العملية من خلال الاحترام المتبادل، والمشورة المشتركة، والابتعاد عن التسلط أو الإقصاء. فعلى المستثمر أن لا يفرض قراراته دون اعتبار للظروف الميدانية، بل يشارك في اتخاذ القرار بطريقة تشاركية.

في المقابل، يجب على الشريك أن يكون صريحًا، ويعترف بالأخطاء عند وقوعها، ويتقبل النصيحة. التسامح لا يعني التهاون أو الغفلة، بل هو أساس لبناء الثقة، وتحقيق التعاون المستدام. وهو يُمكّن الطرفين من تجاوز التحديات والمشاكل دون تصعيد، بل بالتفاهم والحكمة، مما يجعل المشروع أكثر قدرة على الاستمرارية والنمو.

اقرأ: مبادئ مهمة حول نظرة الإسلام للاستثمار

التحديات والحلول في تطبيق التسامح

من أبرز التحديات في تطبيق التسامح هو تسلط رأس المال أو شعور الشريك بالضعف داخل منظومة القرار. كما أن غياب التربية الأخلاقية المستندة إلى القيم الإسلامية يجعل العلاقات المهنية عرضة للتدهور.

الحل يكمن في نشر الثقافة الأخلاقية الإسلامية داخل بيئة العمل، وتعزيز برامج التدريب التي تدمج القيم الشرعية في إدارة العلاقات التجارية. كما ينبغي إنشاء منصات تحكيم شرعية لحل النزاعات، تركز على العدالة والتسامح بدلًا من التنازع القانوني البحت.

في البيئات المعاصرة، يمكن أن تلعب التكنولوجيا أيضًا دورًا في تعزيز الشفافية والوضوح بين الشركاء، وهو ما يعزز بدوره روح التسامح ويقلل من سوء الفهم والاتهامات المتبادلة.

اقرأ: وجهة نظر حول الثروة والمؤن في التخطيط المالي

الخاتمة

التسامح قيمة إسلامية عظيمة، يمكن أن تشكل جسرًا قويًا لبناء علاقات استثمارية صحية، قائمة على العدالة والاحترام المتبادل. فهو لا يقتصر على تهدئة الخلافات، بل يؤسس لعلاقات طويلة الأمد، تتجاوز الربح المادي لتصل إلى الفلاح، وهو النجاح في الدنيا والآخرة.

في عالم الأعمال، حيث تسود المصلحة والمنافسة، يأتي التسامح ليضفي بعدًا روحيًا وإنسانيًا، يجعل من الشراكة الاقتصادية وسيلة لنيل رضا الله، وتحقيق العدالة بين الناس. كما أن غياب التسامح يؤدي إلى فقدان الثقة، وتعطل سير المشاريع، وقد يتسبب في انهيار العلاقات التجارية رغم توفر المال والخبرة.

لذلك، فإن إعادة الاعتبار لهذا المبدأ الأخلاقي هو أمر ضروري، ليس فقط من منطلق ديني، بل أيضًا كمتطلب استراتيجي في عصر سريع التغيّر، يحتاج إلى استقرار قائم على الأخلاق، لا فقط على العقود والاتفاقيات.

لنستثمر في الشريعة الإسلامية على موقع zeedsharia.com

المراجع

Aseprois. (2023, أكتوبر). التسامح في المعاملات التجارية: مفتاح النجاح. تم الاسترجاع من: https://www.aseprois.com/2023/10/tasamuh-dalam-muamalah-kunci-kesuksesan.html

Detikcom. (2023, نوفمبر 27). التسامح: التعريف، الفوائد، الأمثلة والحكمة. تم الاسترجاع من: https://www.detik.com/hikmah/khazanah/d-6981303/tasamuh-atau-toleransi-pengertian-manfaat-contoh-perilaku-dan-hikmahnya

Tirto.id. (2023). معنى التسامح في الإسلام: الأدلة، التعريف، والأمثلة في الحياة. تم الاسترجاع من: https://tirto.id/arti-tasamuh-dalam-islam-dalil-makna-contohnya-dalam-kehidupan-gbvD

Wartoyo. (2018). أخلاقيات العمل الإسلامي: بناء التوازن والإنسانية. مجلة الأموال, 10(2), 229–244. https://doi.org/10.24235/amwal.v%vi%i.3369