BlogIslamic FinanceMuslim Lifestyle

الثروة وسيلة لا هدف في الإسلام

في عالم اليوم، باتت الثروة مقياسًا رائجًا لتحديد مرتبة الإنسان في المجتمع. وسائل الإعلام، والإعلانات، ومنصّات التواصل الاجتماعي ترسّخ فكرة أن النجاح الحقيقي لا يتحقّق إلا بامتلاك المال والسلطة والمكانة. ومع هذا التصوّر، يتجاهل كثيرون البُعد الأخلاقي والروحي للثروة، فيسعون خلفها دون اكتراث بمصدرها أو وجهتها.

لكنّ الإسلام قدّم رؤية مختلفة. لم يُحرّم الثروة، ولم يمدح الفقر في ذاته، بل وجّه المسلمين إلى التوازن، مُعتبرًا المال نعمة إذا وُظّف في الخير، وفتنة إذا كان وسيلة للغرور والهيمنة. لا يُنظر إلى المال كغاية يُسعى إليها بكل الوسائل، بل كوسيلة لخدمة أهداف أعلى: عبادة الله ﷻ، وإقامة العدل، وتعمير الأرض، ومساعدة الضعفاء.

اقرأ: وجهة نظر حول الثروة والمؤن في التخطيط المالي

الثروة في ميزان القرآن: أمانة وابتلاء

القرآن الكريم يُظهر نظرة دقيقة تجاه المال، فهو زينة زائلة، لا يُقاس بها مقدار الإنسان. يقول تعالى:

“الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا.”
(سورة الكهف: 46)

فالحياة بما فيها من مال وجاه إنما هي محطة مؤقتة، يُحاسب فيها الإنسان على ما جَمع وعلى كيف استخدمه. كما يُنبّه القرآن أن المال قد يتحوّل إلى امتحان حقيقي، يختبر شكر الإنسان وإنفاقه، أو يُظهر طمعه وأنانيّته:

“إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ.”
(سورة التغابن: 15)

ويضيف في موضع آخر:

“وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ.”
(سورة الحديد: 20)

من هنا، يُبنى وعي المسلم على أن المال لا يُعلي من قيمة الإنسان، بل ما يُعليه هو تقواه، وصدق نيّته، وطُهر كسبه.

اقرأ: الثروة الحلال والسلامة في الدنيا والآخرة

طلب الرزق في الإسلام: عبادة تُبارَك لا طمع يُستَعبد

طلب الرزق مأمور به شرعًا، وهو باب من أبواب العبادة. النبي محمد ﷺ قال:


“لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة من حطب فيبيعها، فيكفّ بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس.”
(رواه البخاري)

وهذا يدعونا إلى الكدّ والعمل الشريف بدلًا من الاتكال. قال الله ﷻ:

“فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.”
(سورة الجمعة: 10)

غير أن الإسلام يُحذّر من تحوّل حب المال إلى هوسٍ مرضي، يدفع صاحبه للتعدّي والغشّ وظلم الآخرين. فالتوازن بين السعي للرزق والإيمان بأنّ الرزق بيد الله ﷻ، هو ما يجعل العمل نعمة لا نقمة.

اقرأ: العدالة التوزيعية في النمو الاقتصادي

إنفاق المال: طريق إلى الخلود

من أكثر ما يُؤكّد عليه الإسلام هو استخدام المال في وجوه الخير: الزكاة، الصدقة، إعانة المحتاج، دعم المشاريع الوقفية، ورعاية اليتامى. فالمال الذي لا يُنفق يُهلك صاحبه، ويُسأَل عنه يوم القيامة:


“من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟” (رواه الترمذي)

قال تعالى:

“وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ، وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ.”
(سورة البقرة: 272)

كل درهم يُنفق في سبيل الله ﷻ، يُثمَّنُ بركةً في الدنيا، وأجرًا لا يُقدّر في الآخرة.

من هنا، كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يتفاخرون بثرواتهم، بل يبادرون بها في سبيل الله، مثل عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، الذين أنفقوا أموالهم على تجهيز الجيوش وبناء المساجد، وهم بذلك قدّموا نموذجًا يُحتذى في توظيف المال لخدمة الدين والمجتمع.

اقرأ: روح النمو المشترك في الاستثمار الإسلامي

الخاتمة: مَن يملك المال لا يملِك القلوب

الثروة في الإسلام ليست عيبًا ولا قداسة فيها. لكنها تُختَبر على طريقتين: كيف كُسِبت؟ وكيف أُنفِقَت؟
إذا استُخدِمت في خدمة الخير والناس، كانت سلاحًا للحق ووسيلة إلى الجنة. وإذا استُخدِمت في الرياء والبطر والاستغلال، صارت لعنة على صاحبها في الدنيا والآخرة.

أكرم الخلق عند الله ﷻ هو الأتقى، لا الأغنى. والتقوى تُظهِر صدق الإنسان مع نفسه، وإخلاصه في استخدام ما أُعطي. فليكن المال في أيدينا لا في قلوبنا، وليكن وسيلة لصُنع أثر، لا شهادة فارغة على نجاح زائل.

الثروة وسيلة لا هدف في الإسلام
الثروة وسيلة لا هدف في الإسلام


لنستثمر في الشريعة الإسلامية على موقع zeedsharia.com

المراجع

Join Zeed Sharia

Devin Halim Wijaya

طالب ماجستير في المعهد الإسلامي للمصرفية والمالية الإسلامية | حائز على منحة نور-أوماتيك

مقالات ذات صلة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تحقق أيضاً
Close
Back to top button